عرض مشاركة واحدة
قديم 15-09-2011, 22:09   #1
معلومات العضو
محمد النعاس
أمل قادم
الصورة الرمزية محمد النعاس








محمد النعاس غير متصل

آخر مواضيعي

افتراضي السماءُ لا تُمطِرُ أباً !




السلامُ عليكُم و رحمة الله و بركاتُهْ . . .

بسمِ الله الرحمنِ الرحيمْ ! ,

أقدّمُ إليكُمْ قصّة قصيرة بعنوانْ : السماءُ لا تُمطِرُ أباً !
في ذكرى شُهداءْ السابع عشر من فبرايرْ . . . .
رؤية تخيلية في مستقبل يتيمْ !


----------------------------



قُبيل غروب الشمس و خلودها إلى مضجعها جلس جسمٌ هزيل على حُطامِ صخور مُطلّة على الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى القرية . . . . كان يبدو لمن يراه من بعيد كشبح أو كقطعة من الحجارة , فقد حجب ضوء الشمس الهادئ كل الألوان التي يتكون منها جسده و صنع منه ظلاً سماوياً ! , جلس رافعاً رأسه إلى السماء تارة و نحو الأفق عند نهاية الطريق طوراً , كان ينظر إلى ما أمامه شاخصاً مودِّعاً جسده في هذه الأرض و صاعداً بروحه إلى ما وراء الماضي , إلى ما وراء هذه اللحظات . . . .

كانوا ينادونه – الناس في القرية – بعاشق الإنتظار , و رُغم أنه لم يكن يعشق الإنتظار و لم يستسغ طعمه أبداً إلاّ أنّه كان مدمناً عليه فعلاً ! , كان و في كل يوم منذ عشرة سنوات يجلس قُبيل طلوع و غروب الشمس . . . و ينتظر و ينتظر و ينتظر ! !

عاد الجسم الهزيل بذاكرته إلى ما قبل الإنتظار إلى ما قبل الشروذ إلى مشهدٍ في الصغر . . . رجل طويل القامة مرتدياً بزّة الجنود , قبّعتهم و أحذيتهم حاملاً معه صُرّة في نهاية برودة جدّه . . . أمام باب منزله يعانق زوجته كما لم يعانقها من قبل , ثم ينحني ليقبل ابنه الوحيد , يلثمه , يشتم رائحته و يودعُ رائحته هو بين ثنايا الطفل , يداعب شعره المخملي . . . شعر طفل في العاشرة من عمره ! .

يودّعهم بعد أن ألح عليه رفاقه بالتعجيل في المسير . . . مدّ يده إلى زوجته مودّعاً لها قائلاً ( سأعود حياً ! ) . قالت له و قد مُلئت دموع ( قل هذا للطفل ! , فإنّ السماء لا تمطر أباً ! ) . . . أنهى حديثه معها ( أمي تناديني . . . وطني يناديني ), و مضى يركض حتى يلحق بالركب و مضت هي و ابنها يلاحقان خياله . . . الذي بدأ في الإختفاء لحظةً فلحظة !
أسرع ابن العاشرة لا شعورياً يلاحق ذاك الخيال المتناثر حتى انتهى إلى هذه الكومة من الحجارة التي يجلس عليها في هذه اللحظة , يختفي شبح أبيه و رفاقه تحت أشعة الشمس الحمراء ! , منذ تلك العشية و هو ينتظر عودة والده ! , رُبما تقذف به الشمس . . . رُبما تأتي به الرياح ! , رُبما يُقبل على ظهر حصان . . . و لكن دون جدوى .

اقترب منه شبحٌ آخر . . . . لامس كتفيه و قال له ( يكفي لهذا اليوم , سيرجع غداً ! , أنا متأكدة ! ) . . . التفت إليه و الدمعة تغزو وجهه و قال ( قولي هذا للطفل الذي بداخلي . . . فإنّ السماء لا تمطر أباً ! ) .



التوقيع