عرض مشاركة واحدة
قديم 29-10-2008, 06:16   #1
معلومات العضو
المهدي عبيد
نجم الأمل
الصورة الرمزية المهدي عبيد







المهدي عبيد غير متصل

آخر مواضيعي

افتراضي سلسلة القصص الواقعية في تحدي المستحيل .. الموسوعة التايلندية المتحركة : الفصل الثالث




الفصل الثالث

كما طالعتم سابقا , السجن الذي نقل اليه معز ليس سجنا عاديا , هو يوصف بأي شيء الا أن يكون سجنا فلا يمكن ذلك , كان كبيرا جدا و عدد النزلاء به لا يمكن عدهم للنزيل العادي , كان ينزل به علية القوم من محترفي الإجرام , رؤساء عصابات مخدرات و عصابات دعارة و عصابات قتل مدفوع الأجر و لكل رئيس من هؤلاء أتباع كثر داخل و خارج السجن و لكل دوره العملي و الإستخباراتي الخاص بعصابته , كذلك لهذه العصابات قوانين ردعية خاصة بها و قوانين تحكم كل العصابات في ما بينها , مع ارتباط وثيق بشبكات أخرى خارج السجن و بتنسيق مع أطراف من مشرفي السجن وفق مصالح معقدة , مما أخرج دولا صغيرة داخل هذا السجن الكبير الذي لا مجال للحياد فيه , فالنزيل مجبور على الإنتماء , ليس أن تنتمي للإسلام أو للمسيحية أو تكون اشتراكيا أو راسماليا و لكن أن تنتمي لعصابة من العصابات , على الأقل من أجل الحماية .
كان معز , هذا الشاب الصغير و قليل التجربة أمام الطوفان , طوفان لا يرحم , حاول بالذكاء الفطري الذي وهبه الله اياه المحافظة على توازنه في هذا البحر المتلاطم , الذي يكفي فيه أن ترفض اعطاء سيجارة لتجد أمعاءك خارج جسمك ,
مع الوقت تمكن من إدراك اللعبة رويدا رويدا , يجب الوقوف على الحبل أمام كل هذه التيارات , و النوم نوم الذئب , عين مقفلة و الأخرى مفتوحة , و زادته تماسكا المعارك الطاحنة و الرهيبة التي دارت قربه أو حوله أو شاهدها من بعيد , بين العصابات المتناحرة و شاهد الموت بأم عينيه عشرات المرات , و وفق قانون السجن الذي يلعب على تحقيق التوازن بين كل العصابات , يدفن الموتى سرا و تتواصل الحياة عادية كأن شيئا لم يكن , كانت الحياة داخل السجن مثل الحياة فوق لغم لا تدري متى ينفجر . أدرك معز أنه من المستحيل أن يواصل حياة المائة سنة ضمن هذا الصراع اليومي من أجل البقاء , فبدأ طريق التحدي , تحدي المستحيل , و وجد أن التعامل مع ادارة السجن متعب لدرجة لا توصف لأنه لا يحسن اللغة التايلندية , لغة أهل البلد , فبدأ في التحدي الأول و هو تعلم لغة البلاد الأصلية مع احاطة كاملة بتاريخ و اثـنيات و أديان تايلندا , يجب أن يكون موسوعة متحركة لكل ما يهم تايلندا , , كان أمرا جنونيا أن تتعلم شيئا في ظل هذا الصراع اليومي المتصاعد , و لكنه صمم و انتهى التفكير , و بدات الرحلة بتعب في البداية لأنه نعت بالمجنون , شاب عربي مسلم في أقبح سجن في العالم يتعلم اللغة و يتعلم حضارة بلد بأكمله , و لكنه صبر أمام كل من استهزأ به و لم تمض سنة الا و أحكم القبض على عائق اللغة الأم , صار يكتب و يتكلم اللغة التايلندية و كأنه فرد منها , و كم من مرة كان يراجع دروسه بين ضربات الخناجر و السيوف و كل أدوات القتال المشهورة في عالم الإجرام , كان هدفا يجب الوصول اليه و وصل , و وجد أن المائة سنة مسافة كبيرة عليه محاولة انقاصها , و كان يستغل كل التقاء مهما كان قصيرا بأحد مفتشي السجن أو الحراس أو أي عون إداري ليحييه بلغته الجديدة , و كما تعلمون فاننا نسعد عندما يكلمنا أحد الأجانب بلغتنا العربية , معز فعل نفس الشيء , لدرجة أصبح كل اختلاف عادي حول أي شيء مرتبط بتايلندا , حتى من طرف أهل البلد من المساجين أو الحراس , هذا الإختلاف يحله معز بثقافته الواسعة في الميدان , و وظف ما يعرف ليكسب كل الفئات من نزلاء السجن سجناء و إدارة , اهتم بجغرافية تايلندا , و كل ما يهمها و هذا قاده لمعرفة البوذية و دراستها باعتبار أن 95 في السكان من أتباعها و كسب كثيرا من هذه المعرفة فالمقدسات مهمة جدا أو أو لنقل احترامها هو المطلوب للأجنبي حتى عند التعامل مع مجرم أو قاتل , و درس النصرانية باعتبار أن كل من ينحدر من أصول اروبية في تايلندا يتبع الدين المسيحي , و هو مسلم , سوف يعرف كيف يتعامل مع السجناء أو الحراس المنحدرين من شعب الملايو , فشعب الملايو بتايلندا يدينون بالإسلام , بدأ رويدا رويدا يكسب احترام الجميع , و هذه المعرفة اللامحدودة و الثقافة الخارقة للعادة حول كل ما يهم البلد خلق للأعوان نوع من الإرتياح تجاه هذا الغريب , الذي يحذق لغتهم و كانه ولد بها , و يعرف دينهم و كأنه أكبر رجال دينهم , و يعرف اقتصادهم و كأنهم دكتور في الميدان , و يعرف كل قراهم و مدنهم و عاداتهم في مسراتهم و أتراحهم , بل حتى معاني أسمائهم , كل شيء , كان تحديا كبيرا منه و كسبه أخيرا , و بدأ حجمه يكبر و يكبر و في مرة من المرات اقترب منه أحد الحراس و قال له بما يشبه الوشوشة , فالأوامر واضحة و صارمة و هي عدم إعلام السجناء بأي شيء و خصوصا ما يتصل بحقوقهم , هذا الحارس وشوش له بكلام مختصر و مفيد لأبعد الحدود , فقد قال له : لماذا لا ترفع التماسا للملك طالبا عفوا ملكيا , خصوصا أنك ماهر في الكتابة , و إدارة السجن تعجز عن رفض هذا الطلب ,خصوصا و هو موجه لأعلى هرم السلطة الملكية . كان معز يعرف تاريخ العائلة المالكة , بداية من جدهم الأول الجنرال " فيرا شاكري " الذي أخذ مكان الملك " تاكسين " في سنة 1782 و تلقب بلقب " راما الأول " مؤسسا أسرة " شاكري" , كان يعرف عن الملكية التايلندية أكثر من التايلنديين أنفسهم , شكره على نصيحته و أيقن أنه في الطريق الصحيح , فطريق تحدي المستحيل أتى بفائدة , فلنجرب هذه الخطوة ,أحضر له نفس الحارس ورقا و قلما , و كتب التماسا لعفو ملكي و كان التماسا لم تشاهد ادارة السجن مثله و كيف لا و قد استغل فيه معز كل ما يعرف عن الملك و عائلته و في أول فرصة وجهه للإدارة , و كم دهش عندما لم يرى معارضة من إدارة السجن و عرف بعدها أن هذا الإجراء عادي و لا يشكل أي إحراج لها , لكن مسؤول السجن , قال له بما يشبه الرثاء : لا تنتظر خيرا من هذا الإلتماس , فتهتمك خطيرة و لم يمض عليك وقت طويل معنا , و من المعتاد أن العفو الملكي لا يكون الا لمن قضى وقتا كافيا معنا , فارم خيالك بعيدا و لا تنتظر فرجا ... نزل عليه كلام المسؤول كالماء البارد على الرأس , و لكن قال : لا بأس , فالمائة عام فيها ما يكفي من الوقت لنجرب , و التجربة خير من البكاء على الأطلال
واصل معز حياته في السجن ككل يوم , منتظرا الفرج في العفو , و لكن الأمر طال أكثر من اللازم حتى اصبح اليأس يقترب منه شيئا فشيئا , و انتهى بأن فقد الأمل كليا في شم نسيم الحرية مرة أخرى , و لكن ايمانه بقدرة الله و أنه لم و لن يتخلى عنه أرجع اليه بعض الأمل و واصل تدعيم " معز الموسوعة التايلندية المتنقلة " .
و في مرة من المرات وقع استدعاءه لإدارة السجن و كان قد مر عليه سنتان خلف القضبان , و بوقوفه أمام رئيس السجن لفت انتباهه ابتسامة صغيرة منه و أعلمه بعدها أنه حصل على العفو باسقاط نصف المدة , كاد معز يغشى عليه من الفرح , شكر الرئيس و أعيد الى محبسه , 50 عاما , لا باس , الحمد لله , لو أحياني الله لخرجت وعمري 77 سنة , لاباس , مهما يكن هي خير من 125 سنة , هكذا كان يحدث نفسه و يحدث من تعرف عليه عن قرب من النزلاء , كان فرحا طفوليا لم يستطع تفسيره , كل ذلك مصحوبا باستغراب من يعرفه من السجناء و من الإدارة كذلك من هذا الفتى المجنون الذي يرى 50 سنة كـ50 يوما ,
و لكن الأمر ليس سهلا على الإطلاق , فمن الصعب جدا إبقاء راسك بين كتفيك سليما طيلة 50 سنة , لا بد من تحد آخر , لا بد من تدشين المرحلة الثانية من مراحل تحدي المستحيل للخروج من النفق المظلم الذي وضع فيه و دخل معز هذه المرحلة

ما هي المرحلة المقبلة ؟ ما فائدتها على معز ؟ و لماذا هي مرحلة من مراحل تحدي المستحيل ؟
لمعرفة ذلك انتظروني في الجزءالرابع إن شاء الله